17 - 07 - 2024

مؤشرات | الأزمة الأقتصادية وحلول أكثر جرأة

مؤشرات | الأزمة الأقتصادية وحلول أكثر جرأة

في عام 2008 شهد العالم أزمة مالية عالمية، هزت اقتصاديات دول العالم، الغني والفقير، ولم ينج أحد، إلا تلك الدول التي كانت علاقاتها التجارية محدودة بالعالم، أو تلك التي كانت محاطة بالعقوبات الدولية، أو غيرها من الدول التي لم تتورط في ديون أو تلك التي تنفذ مشروعات تعتمد في تمويلها الأساسي على الاقتراض. 

في هذا الوقت، ناقشت المنتديات، والحوارات والمقالات والتحليلات، وغيرها، تفاصيل الأزمة، وأسبابها، وتداعياتها، وكيفية الخروج منها، أو تقليل مخاطرها، وتركزت المقترحات على حلول رئيسية، منها البحث عن مصادر سريعة للنقد الأجنبي، وتعظيم الصادرات، والإنتاج المحلي بديلا للمستورد، وإعادة هيكلة الإقتصادات، مع إعادة جدولة المشروعات الجاري تنفيذها، وتأجيل بعضها، أو إلغاء غير الملح والأساسي منها، خصوصا غير الإنتاجية، والحد من الاقتراض، مع تعظيم إقتصاد الخدمات غير المكلف في عناصر التكاليف.

وعلى وجه السرعة بدأت العديد من دول العالم النامي والإقتصاديات الناشئة، ودول في الشرق الأوسط، وغيرها تأخذ في اتباع مثل تلك الحلول مأخذ الجد، لتفادي مخاطر الأزمة، وهو ما اتبعته عدد من دول الخليج، مثل الإمارات (دبي – أبوظبي)، وقطر، وغيرها، ودول في جنوب شرق أسيا، وغيرها من دول حول العالم.

واتخذت هذه الدول قرارات جريئة، وغير متوقعة، ودون خجل اعترافا بخطأ بعض السياسات والقرارات وكثرة المشروعات، وكان القرار هو وقف مشروعات معينة خصوصا في القطاع العقاري والترفيهي وقطاع الخدمات والنقل، وإرجاء البعض منها للوقت الأنسب، وعظمت تلك الدول من القطاع السياحي، والنقل الجوي بتقديم عروض سفر وسياحة بأسعار تنافسية، مستغلين السوق العالمية بذكاء، وجاءت النتائج سريعة، من خلال سياسة استغلال الفرص.

بل دخلت دول في صفقات شراء طائرات بأسعار وعروض شراء وسداد غير مسبوقة مستفيدين من حالة الركود، وتدني الطلب في الأسواق العالمية، لتضرب بذلك عصفورين بحجر واحد، تنشيط حركة السفر والسياحة وإمتلاك أساطيل حديثة دون تكلفة عالية على المدى القصير والمتوسط، وهي في ذات الوقت أوقفت نزيف الإقتراض، دون اللجوء إلى شروط المؤسسات المالية والدولية، لتتخطي الأزمة بأقل الخسائر، دون تحميل مواطنيها أعباء فوق طاقته.

هذه التجارب من المهم أن تكون أمام متخذي القرار في بلادنا عند وضع حلول لتداعيات الأزمة الإقتصادية الراهنة والناجمة عن الحرب الروسية الأوكرانية، والتي أعقبت أزمة "كوفيد -19" وما بعدها.

وفي الفترة الأخيرة، يمكننا القول أن الحكومة بدأت تدرك خطأ بعض من سياساتها الإقتصادية، وتراجع ما أعلنته من قرارات، خصوصا في مجال التعويم الكلي للعملة المحلية "الجنيه"، والذي يمكن أن نسميه التحرر ولو جزئيا من شروط صندوق النقد، وتتبع ما تسميه بالسعر المرن للجنيه، بدلا من التعويم، وفقا للعرض والطلب والقيمة المناسبة للعملات الأجنبية خصوصا "الدولار"، وفقا لعناصر التكاليف، وربما يكون ذلك بتقييم يتم صعودا وهبوطا، إذ ما توفرت موارد للنقد الأجنبي، من موارد تقليدية وغير تقليدية، تلبي حجم الطلب من السوق لتغطية الإستيراد، وغيره من التفقات بالنقد الأجنبي.

أعتقد أن الحد من الإقتراض هو أهم الإجراءات التي يجب أن تتخذ فيها الحكومة خطوات سريعة، وعاجلة، وتحديد أطر على أرض الواقع، لقصر الإقتراض على الأولويات الأكثر إلحاحا، ووضع جدول محدد المدة للوصول بالإستدانة إلى نقطة توازن بين ما نحتاجه من الأسواق العالمية، وما هو متاح من موارد تغطي دون إستدانة، بخلاف وقف أي تمويل لسلع ترفيهية أو خدمات للرفاهية، لمن يمكن تسميتهم بالصفوة، على حساب ميزانيات الدولة.

ولأن السياحة والسفر هما أهم موردين سريعين للنقد الأجنبي، فمن الضروري العمل على تعظيم دورهما على المدى القصير والمتوسط، ووفق خطط محددة، لإستقطاب السياح والمسافرين للسياحة الترفيهية، وسياحة الشواطئ والمنتجعات، وسياحة الصحراء، إلى جانب السياحة الثقافية، ووضع أولويات لتعظيم الجانب الأكبر من القطاع الأكثر إدرارًا وإستقطابًا للسياح من أنحاء العالم، والسياحة البحرية وهي من سياحة النخبة.

يضاف إلى ذلك تعزيز وتعظيم المنتجات التصديرية من السلع ووفق المواصفات القياسية العالمية، والتي من شأنه تعزيز العائدات التصديرية، مع وجود الثقة في المنتج المحلي، ونأخذ بعين الإعتبار تعزيز ثقة العاملين في الخارج في ضمان تحويلاتهم، بسعر مناسب، للابتعاد عن التحويلات عن طريق طرف ثالث، والتي تضر بالإقتصاد الوطني، وتحمل في ذات الوقت مخاطر على أصحاب التحويلات، وهو ما يحتاج لوعي وتوعية أيضا.

ويبقى أن أشير إلى نقطة مهمة أن التعويل على الخصخصة، وبيع أصول الدولة لمشترين من محليين أو من الخارج ليست الحل الأمثل وربما غير المناسب في هذه المرحلة، خصوصا أن التجارب في هذا الشأن غير مجدية، ومن المهم إعادة النظر في هذه السياسة لتخضع لمزيد من الدراسة، لنحدد آليات وأسس جديدة، قد تغنينا عن هذا وتوفر للدولة أصولها.
-----------------------------------
بقلم: محمود الحضري

مقالات اخرى للكاتب

مؤشرات | أفسحوا المجال للإبداع والإبتكار عربيًا